
صارت اللقاءات الرياضية وخاصة مباريات كرة القدم هي الشغل الشاغل لمعظم شعوب العالم حتى أصبحت الرياضة صناعة عالمية قائمة بحد ذاتها، لها أنظمة وقوانين وهيئات تشرع وتراقب بل إن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يعد أقوى وأفضل منظمة دولية في العالم حتى إنه ليتفوق على الأمم المتحدة من حيث إصدار الأنظمة وإلزام الأعضاء بالتقيد بها.
وأكثر ما يعجبني في الرياضة وضوحها وعدالتها فمن ناحية الوضوح هي مفهومة للجميع ولا تحتاج لوسيط أو مترجم ليشرح معانيها، وبعض مباريات كرة القدم تكون شبيهة بكرنفال دولي، فيه خليط من الأجناس البشرية مختلفة اللغات والأديان.
والأمر الآخر الذي يشدني في الرياضة بشكل عام العدالة الكاملة، فقبل أن تنطلق صافرة الحكم يجب أن يكون عدد اللاعبين متساوياً مع تطبيق القانون بحذافيره على كلا الفريقين المتباريين دون تفريق بين لاعبي دولة عظمى وآخرين من بلدٍ “نائم”.
هناك من يرفض الرياضة جملة وتفصيلا ولا يؤيدها ولا الحديث عنها مع أنها باتت أمراً واقعاً لا مفر منه وفي ظني أنها مجالٌ خصبٌ للدعوة والتأهيل والتوعية لو تم استغلالها ولو أخذنا المباريات النهائية التي تقام لدينا على سبيل المثال ويحضرها ما لا يقل عن ستين ألف مشاهد يتقدمهم ولي أمر هذه البلاد. أقول ماذا لو تم استغلال هذه الحشود وتوعيتهم بعدة أمور على رأسها وأولاها وأهمها أداء الصلاة جماعة في وقتها وهذه من أحب الأعمال إلى الله، فإن كنت حضرت لمؤازرة الفريق الذي تحب، وتعبت ودفعت مبالغ مالية لهذا الغرض، فإن الله أحق وأولى بمحبتك، وليس مطلوب منك سوى أن تستقطع من وقتك خمس دقائق لأداء الصلاة التي هي الأهم لمحبوبك ومعبودك، وللمعلومية فإنه لا يؤدي الصلاة من جماهير المباريات الرياضية سوى قلة لا يتجاوز نسبتهم 10% وهذا ما يؤسف له وهو عائد بالطبع إلى انعدام التوعية.
كنت أود حقيقة لو قامت الجهات المعنية خاصة وزارة الشؤون الإسلامية والرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب لاستغلال فترات تواجد تلك الجموع من الشباب وبث رسائل توعوية قصيرة احترافية غير مباشرة في ساعة الملعب وأنا أجزم بحول الله أنها ستؤتي أكلها لا محالة.
أما المعارضة والشجب والاستنكار والتنفير من تشجيع الفرق الرياضية، فهذه كلها أمور غير مجدية، بدليل أننا نعيش عصر عولمة فنحن صرنا نتأثر بالعالم الخارجي ونلبس تقريباً كما يلبسون، واذهبوا إن شئتم لأحد محلات بيع الملابس الرياضية لتشاهدوا بأنفسكم العدد الهائل من الملابس التي تحمل شعارات الأندية والمنتخبات الأجنبية المختلفة والتي يحمل بعضها الصلبان مختلفة الأشكال وكم كنت أتمنى لو تم الانتباه إلى مثل ذلك، ليس بمراقبة الجمارك والحدود فهذه لا تقارن بتوعية أبنائنا وقد أتى إلي ابني فيصل يسألني عن حكم لبس فانيلة لفريق برشلونة الأسباني يحمل شعارها صليباً بحجم قبضة الكف فأخبرته أن ذلك لا يجوز فخلعها ولم يلبسها بعد ذلك وفيصل بالمناسبة لم يتجاوز عمره ثماني سنوات، ولكني بفضل الله اجتهدت في تعليمه وتعريفه بما هو صحيح وما هو خطأ وكنت قريباً منه ولم أمنعه من ممارسة ما يحب وبالمقابل غرست في داخله أنه مسلم وبينت له ما يصح له فعله كمسلم وما لا يصح.
ثم إني اصطحبته وأخاه الأكبر منه عبد العزيز إلى مباريات كرة القدم أكثر من مرة وكان ذلك لحقيقة وغاية يسعدني جداً أن يعرفها جميع الآباء وتتمثل في أن أبناءنا سوف يذهبون يوماً لحضور المناسبة التي يحبون بغض النظر عن هويتها رياضية أو تجمع شبابي صيفي أو رحلة طلابية وسوف يكتسبون السلوك الذي يشاهدونه من زملائهم والغاية من ذهابي مع أبنائي أن أقوّم سلوكهم بشكل غير مباشر منذ اللحظات الأولى، خاصة وأن الطفل تلك اللحظات يكون في قمة النشوة والقابلية لتلقي ما تريد فأخبره أن الفوز والخسارة مسألة واردة وأن فريقك المفضل قد ينجح وقد يخفق، أخبره كيف يفرح ويعبر عن ذلك دون أن يسيء لأحد، علمه كيف يخرج من الملعب دون أن يضايق أو يزاحم الآخرين، ولو فعل كل أب ذلك ما احتجنا للأفواج الهائلة من رجال الأمن ولاكتفينا بعدد يسير يساعد في تنظيم الحدث.
وختاماً فإني أقول إنه بقدر ما تمكنت الرئاسة العامة لرعاية الشباب من تنظيم المناسبات الرياضية ونجحت في ذلك ودعَمها الإعلام الرياضي وساندها وشجع الجماهير على الإقبال والحضور، فقد كان هناك غفلة من قبل الجهات المسئولة عن التوعية فلم تلتفت لتلك المناسبات وتعيرها الاهتمام المناسب وتذكروا أن المحاضرة التي يستمع إليها عدد لا يتجاوز ألفين أو ثلاثة وتستمر ساعة كاملة قد يكون أكثر منها نفعاً وأكثر جدوى عبارة في سطر أو اثنين تظهر على لوحة الساعة الرئيسية للملعب مرتين أو ثلاث، يقرأها آلاف الناس في المدرجات وملايين آخرون خلف الشاشات.
فهد عبدالعزيز الغفيلي