
بين متشددٍ مغالٍ في تشدده، ومتحررٍ متفسخ مبالغ في تحرره.. تاه كثيرٌ من الناس وصار بعضهم لا يدرك ولا يميز المصيب من المخطئ، خاصة في ظل قدرة كلا الفريقين على إظهار نفسه أمام الملأ بمظهر المحق، ورمي الأخر بالتخلف والرجعية أو تجريده من كل شيء حتى انتماءاته الدينية والوطنية والطعن في كل ما يفعله والترويج بأنه يصب في مصالحه الخاصة وبحثه عن الجاه والسلطان.
فكثير من المتشددين المغالين يتمسك برأيه فقط، ولا ينظر للرأي الأخر، ولا يعتد به، ويحتقر صاحبه، ويرميه بالجهل وقلة المعرفة إن كان من عامة الناس، وبعملاء الملوك والسلاطين حتى لو كانوا من العلماء الربانيين المشهود لهم بالعلم والورع والتقى، وينهل من علمهم القاصي والداني ويزكيهم البعيد قبل القريب، أما إن كان من الفئة الثالثة التي تختلف معهم اختلافاً جذرياً في المبادئ والأفكار فهؤلاء أقل ما يرمون بالتحرر والفسق مروراً بالكفر والزندقة وقد تصل الأمور إلى إهدار دمائهم.
أما الطرف الأخر، فيدخل المعركة بذكاء ودهاء ويحاول أن يمسك بزمام الأمور ويديرها بهدوء بعيداً عن الانفعالات التي ينتهجها الطرف الأخر وهذا يجعله يظفر بتعاطف بعض العامة بالإضافة إلى تعايشه بشكلٍ سلمي مع الحكام والسلاطين وأصحاب السلطة والنفوذ، خاصة أولئك الذين يريدون تحقيق كل نزواتهم وشهواتهم لا يردعهم وازع ديني ولا يفيد معهم نصح، فيستغل ذلك المتحررون ويجيرونه لمصلحتهم، ويحاولون التفريق بينهم وبين الطرف الأخر وذمهم أمام الولاة والسلاطين بأنهم يسعون للحيلولة بينهم وبين ما يصبون إليه، ولا يتورع المتحررون عن فعل أي شيء من أجل ذلك حتى لو تطلب الأمر رمي كل مخالفيهم المتشددين وحتى المعتدلين بالرجعية وتخويف ذوي السلطة منهم؛ ليستحوذوا عليهم ويحيطوا بهم إحاطة السوار بالمعصم فلا يدخل أحدٌ إلا بعلمهم ولا يبت في أمرٍ إلا بمشورتهم.
أعلم أن بعض من يقرأ هذه المقالة سيتساءل حول الكيفية التي يعرف بها كلا الطرفين، ويميز فيها بين غثيهما للظفر بسمين الاعتدال والوسطية التي ليس فيها إفراطٌ ولا تفريط، لا غلوٌ ولا تحرر، فأقول: إنه بالإمكان تمييز النوع الأول بتشدده وعدم احترامه الرأي الأخر، وطعنه في علماء الأمة، أما الفريق الأخر فهو دائم المناداة بالتجديد والإصلاح والتغيير لكل ما فيه تقليد ومحاكاة للغرب، بغض النظر عن موافقته تعاليم الدين من عدمها، هذا مختصر لوصفهم بالنسبة للمجتمعات الإسلامية وإلا فهم موجودون في كل مكان وزمان ولا يخلو مجتمعٌ منهم.
فهد عبدالعزيز الغفيلي