
سمعت كثيراً عن أشخاص أو بلدان يدعون لأنفسهم بممارسة أفعال راقية جداً كالحرية والنظام والانضباط والتسامح وغيرها، ولا يكتفي بعضهم بتقدير ذاته بل يتجاوزه إلى الطعن في غيره، وبالطبع ذاك الطعن لا يأتي من فراغ بل هو عائد إلى تراكمات تجتر من الماضي يتوارثها الخلف عن أسلافهم ويزيدون عليها ويتفننون في طرحها والترويج لها، ولم أرى أشد من أولئك في سعيهم لتصوير دين الله بغير صورته الحقيقية، كل ذلك بغرض الصد عنه والتنفير منه ويبذلون الجهودن وينفقون الأموال، ويمضون الأوقات، ويفنون الأعمار لهذا الغرض {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (36) سورة الأنفال، إلا أن مساعيهم تلك تبوء بالفشل بفضل الله تحقيقاً لوعده، ولو استعرضنا شيئاً من صور السماحة الجميلة تلك لقلت يكفي من يـتأمل قول الله عز وجل: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4) سورة المجادلة فهذه الآية وفي أول تطبيق لها كان المستفيد منها من نزلت بحقه (أوس بن الصامت) وبدلاً من أن يغرم ظفر ومحل العقوبة حلت مكافأة وقد حدّث عبد الله ابن عباس ـ رض الله عنهما ـ عن قصة الظهار الواردة في الآية التي أشرت إليها إلى أن قال: “فتحرير رقبة قالت خولة بنت ثعلبة قلت وأي الرقبة لنا والله ما يخدمه غيري قال فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قالت والله لولا أنه يذهب يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره قال فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا قالت فمن أين هي الآكلة إلى مثلها فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بشطر وسق ثلاثين صاعا والوسق ستون صاعا قال ليطعم ستين مسكينا وليرجعك، وفي رواية أخرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأوس بن الصامت: فأطعم ستين مسكينا فقال لا أجد قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من تمر يقال خمسة عشر صاعا ويقال عشرون صاعا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خذ هذا فأقسمه فقال الرجل ما بين لابتيها أفقر مني فقال النبي صلى الله عليه وسلم كله أنت وأهلك. هل تجدون سماحة أعظم من ذلك، فافخر بدينك.
فهد عبدالعزيز الغفيلي