
التجمعات البشرية الحالية، التي أصبحت على شكل مجتمعات صغيرة، تختلف في أحجامها من مكان إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، صار يمكن تصنيفها ـ من حيث طريقة التفكير والنضج من عدمه ـ عن طريق إلقاء نظرة عميقة على تلك المجتمعات، فستجد أنه يمكنك أن تقيَّم كل مجتمع، كما لو كان إنساناً يختلف عن الآخرين في الصفات وطريقة التفكير والمرحلة السنية.
وقد أمعنت النظر في هذا الأمر، وحاولت تصنيف المجتمعات من حيث الدين، فلم أتمكن من ذلك، حيث لاحظت أن المجتمعات الإسلامية مختلفة ومتباينة من بلدٍ إلى آخر، فحاولت تصنيفها من حيث المناطق الجغرافية الصغيرة، فوجدت تشابها كبيراً بين بعض المناطق، وانعدام اختلاف بين منطقة وأخرى؛ بل إن بعض المناطق في معظم البلدان لا يمكن التفريق بين مجتمعاتها على الإطلاق.
وحين حاولت تمييزها من حيث الانتماء لبلد بعينه، كمجتمع ينتمي للدولة الفلانية، وثانٍ لبلد آخر، وجدت ذلك ممكناً، ومن السهل تصنيف المجتمعات بحسب جنسيتها؛ فالمجتمع السعودي لديه مواصفات مختلفة عن معظم المجتمعات الأخرى، ويمكن بسهولة أن تصنفه كإنسان في مرحلة سنية معينة، وأن تحدد طريقة تفكيره، وتفصل ملامح شخصيته، والشيء نفسه ينطبق على بقية المجتمعات.
ولو بدأت بالمجتمع الأمريكي، ورغم كثرة السكان هناك وتنوع ثقافاتهم وتعدد دياناتهم، إلا أن المجتمع ـ في مجمله ـ أشبه ما يكون بالشاب الطائش الذي يحوي الكثير من السذاجة، ويمكنك أن توجهه بالطريقة التي تريد ـ كما يفعل الإعلام الأمريكي ذلك الآن ـ ويعود ذلك إلى ثقافته الهشة، وتركيز ولي أمره في تعليمه على أمور محدده؛ ليسهل عليه تسييره والسيطرة عليه، كما أنه شعب ـ أو لأقل ـ شخص ينساق وراء إشباع رغباته، ويدفع من أجل ذلك الكثير.
وفي المقابل، هناك الشعب الإنجليزي، الذي أشبه ما يكون بالرجل الناضج المثقف الذي يصعب التغرير به؛ بل على العكس فهو يستهوي الضحك والتلاعب بالآخرين، ولا ينفق أي قرش إلا بعد تفكيرٍ متأنٍ؛ فهو يتمسك بالمال ويحبه درجة البخل، كما أنه على درجة من الوعي والثقافة، بحيث لا يمكن للإعلام أن يخدعه أو يسيره بالطريقة التي يريد، بعكس الشخصية الأمريكية المراهقة.
أما الشعب الفرنسي، فأقرب ما يمكن أن تشبهه بشاب خرج من سن المراهقة تواً، يظن نفسه رجلاً وذا مكانه وهيبة وكلمة مسموعة، بينما الآخرون لا يرونه كذلك، وحين يكتشف ذلك في بعض المواقف يحاول التمرد والقيام بأعمالٍ طائشة دون التفكير بعواقبها.. ورغم أن هذه الشخصية لبقة ومثقفة وتهتم بمظهرها، إلا أنها لم تنضج بعد، وفيها الكثير من التذبذب والتقلب والمزاجية.
الشعب الصيني ليس بعيداً عن تلك المرأة العجوز التي لديها من العلم والحكمة الشيء الكثير، إلا أنها لم تنتفع من كل ذلك بشيء لتحسين وضعها المادي؛ فهي بدائية جداً، وقانعة، وخدومة إلى أبعد الحدود، ولطيفة، وتحب الآخرين، ولا تريد من هذه الدنيا سوى أن تأكل وتشرب وتجتهد في تقديم خدماتها للآخرين، وتطلب منهم الدعاء لها بحسن الخاتمة.
أما إن أردتم النظر إلى ذلك الشاب البسيط الذي يجيد عمل كل شيء، ولا يهمه أي شيء، ويتأقلم مع كل أحد، ويمكنه العيش في كل مكان، وهو مثقف إن أردته، وخبير إن طلبته، وماهر، وليس في قاموسه عبارة “لا أعرف”؛ فانظر إلى الشعب الهندي؛ تلك الشخصية المتجانسة النظرة الحية، رغم ما بها من تناقضات وعلل وأمراض، وما تعانيه من فقر، إلا أن قدرتها على التكيف وقناعتها وبرودها مكنتها من العيش، ولو لم تكن كذلك لقضت عليها الأمراض والآفات التي فتكت بشعوب قريبة منها وأخرى بعيدة.
الشعوب الإفريقية يمكنك تشبيهها بمراهق أو طالب في المرحلة المتوسطة، لا يمكن أن يهدأ أو أن يعطي دون وجود المدرس في الفصل، وبمجرد خروجه ينقلب حاله رأساً على عقب، وتعم الفوضى في كل مكان، وحتى لو وضعت طالباً “عريفا” لمراقبتهم؛ فإنه ولو كان على درجة من القوة وسيطر عليهم وتمكن من فرض الهدوء، إلا أنك لن ترى نتائج أو ثماراً، أما مع المدرس الحاذق الذي يعرف كيف يتصرف معهم فينقلب حالهم 180 درجة، ويبدعون وينتجون ويحققون نتائج مبهرة.
ولكن ماذا عن الشعب السعودي؟ ماذا تظنون؟ وماذا عن الشعوب الخليجية الأخرى؟ هل هناك تشابه بينها؟ وهل يختلف الشعب المصري عن الشعب المغربي من حيث الشخصية؟ وهل يختلفان في تصنيف المرحلة السنية لكل منهما؟ وهل الشعب العماني ـ رغم حداثة نشأته ـ يمكن أن يتفوق كشخصية على بعض الشعوب التي سبقته من حيث النشأة والتكوين؟ وماذا عن المجتمع الكويتي والإماراتي؟ وما أوجه الفرق بينهما؟ وهل وصلا لمرحلة من النضج؟ لعلي أترك الإجابة لكم!!
فهد عبدالعزيز الغفيلي