لن آتي بجديد حين أقول إن ديننا يحث على النظافة بشتى أشكالها، سواء ما تعلق منها بالجسد، أو المكان. ولن أقول إننا تقيدنا بتلك التعاليم، حتى صار يضرب بنا المثل في النظافة؛ بل العكس، فنحن ـ كشعوب إسلامية ـ متهاونون جداً في هذا الجانب، ولا نعيره ما يستحقه من اهتمام، أو بعبارة أدق، إن تعاليم الدين لدينا على درجة عالية من الرقي الذي لم يصل معظمنا إلى الدرجة المقبولة منه.
ولكي نتحقق من ذلك دعونا ندخل المسجد، وهو أشرف البقاع وأجلها، والمكان الذي يفترض على المسلم أن يتجمل ويتزين حين يذهب إليه. لن أقول أنظروا إلى العمالة الوافدة التي رسم العرق في أثوابها خرائط العالم القديم والجديد، والسبب يعود إلينا، فنحن لم نطلب منهم ذلك، بل يندر أن تجد إمام مسجد ينبه إلى هذا الأمر، ولا أذكر أنني سمعت خطبة واحدة تحث جماعة المسجد على التعاون من أجل توعية العمالة ومطالبتهم بتخصيص لباسٍ للمسجد وآخر للعمل.
وحين أقول لا تنظروا إلى العمالة فقط، فإني أعني ذلك، ومن أراد التحقق فما عليه سوى التدقيق بملابس جماعة المسجد، بدءاً من الإمام، فبعض الأئمة ـ ولا أقول كلهم ـ وهم قلة، ولكنهم ملاحظون، يأتون إلى مساجدهم بثياب ليست كما ينبغي من حيث النظافة، ولا تليق بصغار السن من جماعة المسجد، فما بالكم بالإمام القدوة، الذي يراه ويلاحظه جميع من في المسجد، ولا يغفلون عن أي عيب في ملبسه.
أما جماعة المسجد، فهم متفاوتون من حيث الهيئة وأخذ الحيطة عند الحضور إلى المسجد، وإن كان الأغلبية ـ ولله الحمد ـ مظاهرهم وروائحهم طيبة في كل مكان وليس المسجد فقط، إلا أن هناك من لا يبالِ عند حضوره إلى هذا المكان المقدس؛ فهو يأتي ورائحة العرق والدخان أو الثوم تفوح منه، ولباسه ومنظره لا يدلان على أنه حضر لمقابلة خالقه، ولو ذهب نفس الشخص لمقابلة مسؤول أو حتى متابعة مصلحة في دائرة حكومية لرأيته استخدم أفضل ما عنده من لباس، ولتعطر وتجمل وفرَّش أسنانه قبل ذهابه.
وكان يكفيني أن أتحدث عن حال الناس في المسجد لأعطي صورة عامة عن حالهم في المنزل والمكتب والحضر والسفر؛ خاصة وأن المسجد هو المكان الذي أُمرنا أن نأخذ زينتنا حين الذهاب إليه {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. والتقصير في النظافة في هذه البقعة الطاهرة يعني التقصير فيما سواها أو لأقُل بمعنى أصح إن من لا يكون في الزينة التي ينبغي أن يكون عليها في هذا المكان، فهو ليس نظيفاً بطبعه، وإن ادعى ذلك وتجمل في المناسبات، فهو يعيش حالة غير عادية، وهذه مشكلة.
والشخص الذي تعد النظافة دخيلة عليه، وليست شيئاً أساسياً في تركيبته، يمكن معرفته بسهولة، فهو الذي يرمي النفايات في الشارع وعند الإشارات، وهو الذي لا ينهى أبناءه عن فعل ذلك، وهو نفسه الذي يدخن ويرمي عقب السجارة على الأرض ثم يدوسه بنعله ـ أعزكم الله ـ مُحدِثاً وسماً دائماً في المكان، ليذكر المارة أن في المجتمع المسلم من لا يكتفي بعدم التقيد بأقل مطالب دينه (إماطة الأذى عن الطريق)؛ بل هو يزرع الأذى بنفسه، ولا يعبأ بمشاعر الآخرين تجاهه لحظة الفعل، ولا ما يترتب عليه من مضايقات لمستخدمي الطريق، بالإضافة إلى ما ينتج عنه من استمراء مَن هم على شاكلة فعله؛ فيكون كمن دل على سيئة عليه وزرها إلى يوم القيامة.