حين ننظر إلى الأمور من منظار الربح والخسارة، فإننا نقتل متعة ما نقوم بفعله أو ما نسهم ونشارك في عمله، بغض النظر عن الأمور الأخرى التي جنيناها ولم نلتفت إليها؛ لأن تركيزنا كان منصباً بكامله على “نربح ونخسر”.
ومسألة الربح والخسارة ملازمة تقريباً لمعظم شؤون حياتنا خاصة تلك المتعلقة بالمنافسة؛ ولتقريب الصورة سأتحدث عن ثلاث مناسبات تنافسية مختلفة، ولكنها تدخل في مجال الربح والخسارة من جهة، وجانب المتعة والفائدة من جهة أخرى، ومتى نظرنا إلى جانب واحدٍ منها وأغفلنا الآخر لم نستمتع ولم نستفد من المنافسة، حتى لو ربحناها، ولن نربحها حتى لو استمتعنا وانتفعنا بها، فالموازنة مطلوبة هنا.
ولأوضح ما أقول: دعوني أبدأ حديثي عن الامتحانات النصفية أو النهائية من كل عامٍ دراسي، وبعد أن تعلن النتائج وينجح طلاب ويخفق آخرون، فلو تمعنتم في حال أولئك الطلاب بعد ظهور النتائج لعلمتم أن هناك من نجح وحصل على الشهادة، ولكنه لم يخرج بالفائدة المرجوة، بل إن كل ما في رأسه تبخر بمجرد خروجه من قاعة الامتحانات، ومع ذلك فقد نجح وربح الشهادة، ولكنه أخفق في الحصول على الجانب المعنوي الذي ربما يكون أهم. وعلى النقيض منه هناك من اجتهد وتوسع واستزاد ولكنه أخفق؛ بسبب تركيزه على مواد يحبها وإهماله مواد أخرى غير محببة بالنسبة له، فركز على ما يحب واجتهد فيه وتوسع، ولكن على حساب تلك التي لا يرغب في مطالعتها، ورغم أنه ربح الفائدة إلا أنه خسر الشهادة.
المناسبة الثانية: تتعلق بالمسابقات التي تقام في مختلف المجالات وقد كان لي أن شاركت في تنظيم مسابقة أقامها مركز “آسية” للاستشارات التربوية والأسرية، واستمرت أكثر من شهرين، وشارك بها أعداد كبيرة من المتسابقين، ولكن بعد إعلان النتائج بدأ بعض المتسابقين يتذمر ويشكك في نزاهة المسابقة، بل إن البعض منهم ـ وهم قلة لا تذكر ولكني أستشهد بهم هنا ـ سبّوا وأساؤوا إلى أشخاص القائمين على المسابقة، وهذه الفئة أنموذج للتفكير السلبي وللعقلية التي تضع الربح والخسارة نصب أعينها، ولا تفكر بغيرهما، وقد كانت على أعصابها أثناء المسابقة حتى إعلان النتائج، وحين لم تعلن أسماؤهم شنّوا حملتهم على المسابقة والقائمين عليها، ولو أنهم شاركوا في تلك المسابقة بروح وهمة من يبحث عن الفائدة لربحوا ما لا يمكن حصره، وأهمه الحصول على الأجر ـ بإذن الله ـ عن طريق قراءة شيء من سيرة نبي الأمة عليه الصلاة والسلام – موضوع المسابقة – بنية خالصة بعيدة عن كسب الجائزة، وأيضاً الاستفادة من خلال التعلم من خلقه وسلوكياته وطريقته عليه الصلاة والسلام في التعاطي مع الأحداث، وغيرها الكثير من الفوائد التي لا يمكن حصرها كما أسلفت. علماً أن الأغلبية ـ ولله الحمد ـ قد ربحوا وحققوا الهدف المنشود من عمل تلك المسابقة، ولكني أتحدث هنا عن قلة جداً.
المناسبة الثالثة: كأس العالم التي تقام كل أربع سنوات وتحرص معظم دول العالم على المشاركة بها وتسعى قلة للظفر بها، فتلعب الفرق ويبدع اللاعبون ويستمتعون بلعبهم ويمتعون المشاهدين، وهناك من يبالغ في البحث عن المتعة فيخسر، وهناك من يبالغ في البحث عن الربح فيعتمد على الخطط الدفاعية وتكتلات اللاعبين أمام المرمى والتحذير من الخسارة قبل المباراة، وأن الكارثة ستحل لو خسروا، ومن شاهد الطريقة التي يتعامل بها بعض اللاعبين في المباريات سيلاحظ ما أقول، فهم يدخلون أرض الملعب وكأنهم يساقون إلى حتفهم ولا يستطيعون لعب الكرة بطريقة صحيحة، ولا الجري، ولا حتى الوقوف والتمركز الصحيح، بل إن بعض المعلقين يتساءلون أحياناً عن أسباب إرهاق بعض اللاعبين أنفسهم ووضعها تحت ضغوط نفسية ليست ضرورية؟!
وعلى أية حال فالربح والخسارة أمران واردان في هذه الحياة، ولكن الفطن من لا يحصر الربح والكسب في أمرٍ واحد ويركز عليه، وينسى باقي الأمور التي قد تكون أفضل وأجدى وأنفع له مما يبحث عنه، أو على الأقل يكون في تحقيقها عزاءٌ له لو أخفق