برامج التوعية الفكرية تعدد الوسائل وتفاوت التأثير د. فهد الغفيلي
منذ اللحظة الأولى لظهور الفكر المتطرف الذي افضى إلى استخدام العنف الذي قوبل بإجراءات حاسمة ورادعة من قبل السلطات الأمنية أثمرت عن انحسار انشطته بشكلٍ كبير، وعلى الأخص بعد قتل أعداد غير قليلة من أعضاء الجماعات الإرهابية بالإضافة إلى القبض على أعداد كبيرة أخرى.
ورغم الجهود الميدانية المثمرة، إلا إنه كان هناك إجماع على أهمية التوعية الفكرية، خاصة وأن كثيراً من المتعاطفين مع أرباب تلك الأفكار المنحرفة تأثروا بما تلقوه من خلال وسائل إعلامية متنوعة ألبست عليهم الأمور وصورت لهم ما تقوم به تلك الجماعات الإرهابية على أنه عمل جهادي نبيل يهدف إلى حماية المجتمعات الإسلامية من كافة الأخطار المحدقة بها وعلى رأسها الحكام والسلاطين الذين لا يحكمون بما أنزل الله ـ بحسب زعمهم ـ حيث قاموا بتكفيرهم كمسوغ أساسي للخروج عليهم.
ومن هنا كان لابد من استخدام السلاح الإعلامي إلى جانب وسيلتين أخريين: أولاهما: العمل الميدان، وثانيتهما: عمل لجان المناصحة، فالأولى مكافحة ميدانية مادية مباشرة، والثانية مكافحة فكرية معنوية بحتة، ثم يأتي العمل الإعلامي ومهمته تتمثل في أمرين:
- الرد على ما تبثه الجماعات الإرهابية من أفكار متطرفة، تهدف في المقام الأول إلى تجنيد الشباب وصغار السن، كما تهدف إلى تبرير ما يقومون به من أعمال منافية للدين، وسعيهم إلى تصويرها وكأنها متوافقة مع تعاليم الشرع الحنيف، بل وفوق ذلك إبطال أي أفكار تخالفها.
- القيام بحملات توعوية استباقية تهدف إلى إيجاد بيئات توافقية سوية قادرة على تبيان الأفكار وتمييزها ومعرفة الغث من السمن، والتفريق بين السوي المندوب منها والمتطرف المنبوذ، وهذا في حال تحققه سيحمي الشباب من تلك الرسائل التي تبثها الفئات الضالة، وسيقضي مع الوقت على معظم أنشطتهم الإعلامية؛ التي لن تجد القبول لدى الفئات المستهدفة.
ومن هذا المنطلق نشطت الحملات الإعلامية التوعوية، وتنوعت، وتعددت وسائلها، وتباينت تأثيراتها ونتائجها؛ فكان للهيئات الدينية دور وأثر فاعل ويأتي على رأس تلك الهيئات وزارة الشؤون الإسلامية من خلال توجيه منبر الجمعة ليكون الوسيلة الأكثر انتشاراً، بالإضافة إلى الجهود التي تبذل من قبل أئمة المساجد وبعض الدعاة وما يلقونه من كلمات ويبثونه من رسائل أسهمت بشكلٍ كبير في هذا المشروع التوعوي الشمولي. كما لا يمكن إغفال الجهود التي بذلتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما أن هناك جهوداً طيبة جداً ومحمودة بذلتها الجهات التعليمية المختلفة سواء وزارة التربية والتعليم، أو وزارة التعليم العالي، أو حتى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. كما إن وزارة الإعلام قامت بجهود متميزة في هذا الجانب عبر وسائل إعلامية مرتبطة بها مباشرة سواء كانت مرئية، أو مسموعة، أو مقروءة. ويجدر بنا هنا أن لا نغفل الجهود الفردية الاحتسابية التي أسهمت في عملية التوعية في عدة منافذ مختلفة. وبالطبع لا نغفل هنا الأدوار التي قامت بها وزارة الداخلية في هذا الجانب المهم والحساس.
وتأتي هذه الورقة لتعرض شيئاً من تلك الجهود التوعوية وتبين جوانبها الإيجابية المثمرة، وعوامل نجاحها وكيفية الارتقاء بها وإمكانية تعميم الأفكار للانتفاع بها، وهذا ما يسعى الباحث لتناوله في المبحث الثاني. وكما أن لكل عمل نقاط قوة تقابلها نقاط ضعف، فالباحث يسعى في المبحث الثالث إلى تقصي جوانب القصور في تلك الجهود، ويسعى إلى تصحيحها بما يراه صواباً. كما سيقوم الباحث بطرح حلول بديلة لعل النجاح يكون حليفاً لها؛ تسهم في تحقيق المطلب الرئيس المتمثل في إزهاق الفكر المتطرف الداعي إلى الإقصاء والتكفير واستخدام العنف، من خلال استخدام بدائل جديدة والتركيز على جوانب أخرى لم تمنح الاهتمام الكافي.
د. فهد بن عبد العزيز الغفيلي