نسمع بين الحين والآخر من يتحدث عن علي ومعاوية رضي الله عنهما، ويفصل فيما حدث ثم ينتهون إلى الثناء على معاوية أو ذمه والعياذ بالله من ذلك. والحقيقة إني لأعجب ممن يخوض في تلك المسألة التي جرت بين صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورضي الله عنهم أجمعين، فقبل كل شيء سمعنا منه عليه السلام قوله لعمار بن ياسر: يا عمار تقتل الفئة الباغية. وعمار رضي الله عنه كان في جيش علي، وهذا يعني أن جيش معاوية ـ رضي الله عنه ـ هو الباغي، ولكن هل يعني هذا أن نخوض فيما ليس لنا به علم ونذم ونقدح في صحابة رسول الله فالخوض بما ليس لنا به علم منهي عنه {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء ثم إن قتال المسلمين فيما بينهم لا يعني أن أحدهما مؤمن والآخر ليس كذلك: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (9) سورة الحجرات فالله سبحانه وتعالى وصف كلتا الطائفتين بالإيمان، ثم لا ننسى أن معاوية أخو أم حبيبة ـ أم المؤمنين، رضي الله عنها ـ ومعاوية خال المؤمنين، فلا يليق بالمرء إلا أن يذب عن عمه وخاله ومن في حكمهم، وهذا ليس على إطلاقه ولكن أقله في هكذا موقف. ثم إني أرى الإعراض عن ذلك هو السبيل الأقوم وهو نهج سلف هذه الأمة، خاصة وأنه لا فائدة ترجى من مثل هذا الخوض، سوى بث الفرقة بين المسلمين. وأخيراً لا تنس أن النهج الرباني يتمثل في الترحم على المؤمنين والاستغفار لهم {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (10) سورة الحشر..