كنت أتحدث مع موظف الاستقبال في أحد البنوك وفجأة قطع حديثنا أحد الأشخاص وهو يبرز بطاقته ويقول للموظف: إني طلبت تجديدها وأريد أن أعرف ما تم بشأن ذلك. ومن شدة حماس ذلك العميل والقلق البادي على وجهه انصرف إليه الموظف وتركني وأخذ منه بطاقته ليقول له: إن هذه البطاقة منتهية!..
فقال العميل: نعم أعرف ذلك وطلبت تجديدها.
فأجابه الموظف: بأننا بالفعل أصدرنا بطاقة بديلة ولكنك لم تحضر لاستلامها فأتلفناها..
فغضب العميل وقال: لمَ اتلفتموها!… ولمَ لم تنتظروا حتى أحضر وأتسلمها؟
فقال: الموظف إن نظام البنك يعطي مهلة محددة بعد إصدار البطاقة فإن لم يحضر العميل لاستلامها أتلفت.
فسأله العميل: وكم المدة؟ … كنت أظن بأن البنك لا يعطي أكثر من أسبوع وهذا بسبب القلق الذي كان بادياً على وجه العميل وحماسه وحرصه واستعجاله طلب البطاقة. ولكن الدهشة تملكتني حين قال الموظف: بأن البنك يمنح العميل مهلة ثلاثة أشهر لاستلام بطاقته وبعد ذلك يتم إتلافها.
فقال العميل وما الحل الآن؟
فقال الموظف نصدر لك بطاقة أخرى.
فسأله العميل: وهل بالإمكان أن تكون جاهزة غداً؟
فقال الموظف: إن ذلك غير ممكن. فأخذ العميل يتحايل عليه ويرجوه لينجزها غداّ وعندها انصرفت من عند ذلك الموظف ولا أعلم ما توصلا إليه.
وحقيقة حين تتأمل في حال ذلك الشخص المستعجل تجد وضعه مضحكاً أكثر من أي شيء آخر فهو مستعجل الآن ويجب أن تقضى حاجته في الحال بينما الحاجة مقضية قبل عدة أشهر ولم يبالِ بها وتناسى أن سيأتي وقت يحتاجها فيحرج نفسه ويحرج غيره بسبب ذلك. وهذا يقودنا إلى محاولة معرفة السبب في الاستعجال الذي ندير به شؤون حياتنا وكأننا جبلنا على ذلك.
فلو قدت سيارتك في أحد الطرق الرئيسية في أي مدينة من مدن المملكة لوجدت الناس تقود سياراتها بسرعة جنونية غير طبيعية ولو سألت أحدهم عن السبب لقال لك بأنه مستعجل ولكن ماذا لديه؟….. لا شيء وكثير منهم يقود بسرعة جنونية ولو تبعته لوجدته في طريقه إلى الاستراحة للجلوس مع الشلة وتضييع الوقت في أمور ليست بذات قيمة – وإن كان ذلك عائداً إلى الشخص نفسه – ولكن أن نسير بهذه السرعة الجنونية حين نريد الذهاب إلى الاستراحة فهذا خلل يجب معالجته.
أيضاً فنحن مجتمع مستعجل وليس عنده وقت حتى حين يأكل الطعام فتجدنا نضع كل شيء على المائدة وخلال دقائق نكون “مصفين” كل شيء وربما يقول أحدنا إن ذلك طبيعي لانشغالنا بأمور أخرى كرغبة الشخص بالراحة بعد الأكل أو قضاء شغل وغيره، ولكن بما أن هذا طبع لم ولن ننفك منه فنحن نمارسه بشكلٍ فطري، فلو ذهب أحدنا مع أبنائه إلى أحد المطاعم بقصد تغيير الجو، فإن أول ما يسأل عنه: كم سيستغرق إعداد الطعام وتجهيز الطلب ثم يأكله بسرعة وينصرف دون أن يتلذذ ويستمتع بالمكان، خاصة وأن الخروج قصد منه تغيير الجو والنزهة أكثر منه أكل وشبعة.
وحقيقة أن مما يثير فضولي ودهشتي في آن واحد حين أذهب إلى إحدى المحافظات الصغيرة وأجد الناس تقود بسرعات جنونية ومستعجلة على لا شيء خاصة وأن الأمر لا يتطلب أكثر من خمس دقائق في الغالب لتنتقل من أبعد نقطتين عن بعضهما في تلك المحافظات.
إن توترنا وتشنجنا وانتشار أمراض العصر المزمنة في الكثير منا خاصة ارتفاع الضغط والسكر لهي عائدة في المقام الأول إلى طريقتنا في التعاطي مع الحياة، فكل شيء لدينا مستعجل، وفي الحال، مع أننا لو أخذنا الأمور وتعاطينا معها بتروٍ أكثر لأصبحت نفوسنا أطيب، ولزال عنا الكثير من التوتر ولأغلقت كثير من العيادات التي تعالج أمراض العصر المزمنة ولانخفضت وارداتنا من الأدوية إلى النصف، ولكني أظن أن تغيير هذا الحال يحتاج إلى جهود حثيثة وسنين طويلة، ولكن إلى أن يتم ذلك حاول أن تضبط أعصابك، ولا تلم أحداً حين يحاول أخذ دورك أو يفزعك حين يحاول تجاوزك بسيارته أو عدم مساعدتك حين تكون بحاجة للمساعدة في أحد الخطوط السريعة، فالكل مستعجل وليس لديه الوقت الكافي، والنتيجة مع كل هذا الاستعجال والانشغال أن ما تم إنجازه (صفر).