لا نحب أن يستعصي علينا أي شيء مهما كان، فنقف أمامه مكتوفي الأيدي، غير قادرين على التعامل معه. ونحن حيال ذلك إما أن نسأل متخصصاً أو خبيراً أو مجرباً، وأحياناً نبادر إلى التجربة بأنفسنا لنصبح من أول محاولة من ذوي الاختصاص، حتى لو لم يكن لدينا التجربة الكافية، المهم أننا جربنا وتوصلنا إلى نتيجة، بغض النظر عن سلامتها وحتى لو كانت مجدية، إلا أننا نقوم بطرح بضاعتنا للآخر ولا نفكر في الطريقة الطويلة التي سلكناها للوصول إلى تلك النتيجة فربما كان هناك طرق أخرى أسهل وأقصر.
وعندما يمرض أحدنا فإنه غالباً قبل الذهاب إلى الطبيب المختص يسأل أقاربه أو معارفه أو جيرانه عن تلك العلة فيطرحون له تجاربهم وكل يؤكد له أن رأيه صائب وعليه أن يعض عليه بالنواجذ ولا يلتفت لآراء الآخرين وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر أن أحد الأشخاص أصابته آلامٌ في قدمه وكان يعاني من ذلك إلى درجة حرمانه من النوم فاستشار بعض أقاربه ونصحوه بالكي – مع أن أخر العلاج الكي – إلا أن أولئك يغفلون عن ذلك بحجة أن لهم تجربة مماثلة جربوا معها كل شيء وما نفع غير الكي ومن هذا المنطلق فهم يحاولون اختصار الطريق عليه إلى الكي، مباشرة رغم جهلهم أن الحالة مختلفة رغم تشابه الأعراض.
ذهب صاحبنا وجرب الكي وتلوع من شدة نار الدنيا وأقسم بعدها أن لا يعصي الله قط من شدة ما ذاق من آلام هي أشد ألف مرة من معاناة القدم، ورغم ذلك لم يخرج بنتيجة وحين ساءت حالته واضطر إلى أخر العلاج في نظره وهو الذهاب إلى الطبيب المختص الذي من خلال خبراته وتجاربه أفاده أن المشكلة ليست في قدمه رغم أن الآلام فيها ولكن السبب يعود إلى انزلاقٍ غضروفي أسفل الظهر يحتاج إلى عملية جراحية قد تستغرق ثلاث أو أربع ساعات ويعود بعدها كما كان وهو بالضبط ما حصل ومن خلال تلك التجربة خرج بفائدة عظيمة وهي: أن يشير على كل من طلب نصيحته أن يذهب إلى الطبيب المختص فهو الأقدر على تشخيص الحالة.
ونصيحة صاحبنا تلك لم تأتِ من فراغ ووصوله إلى تلك النتيجة جاءت بعد معاناة استمرت بضعة أشهر، بدأت بآلام المرض نفسه ثم آلام الكي وأخيراً آلام العملية الجراحية ولو أنه ذهب إلى الطبيب منذ البداية ربما مكنه ذلك من تلافي كل تلك الآلام ولكن الذهاب إلى غير ذوي الرأي والخبرة والاختصاص وإن كان أسهل وأوفر حيث تجد من يشير عليك من أصحاب التجارب السابقة في كل مكان ولا يطلبون مقابل خدماتهم شيئاً ولكنها مرة تصيب ومرات لا حصر لها تخيب.
ومن الحالات التي يجتهد فيها كثيرٌ من الناس ويتسرعون في تشخيصها تلك المتعلقة بنفور الزوجين أو أحدهما من الآخر، وبمجرد حدوث مثل ذلك يجزمون بأن هناك من عمل سحراً لهما بقصد التفريق بينهما، وإليكم هذه القصة كمثال على بعض الحالات التي تشخص بطريقة خاطئة من ذوي التجارب الناقصة حيث كان يعاني أحد الأشخاص المتزوجين حديثاً من نفوره من زوجته وبغضه لها ولكن حين يبتعد عنها بضع دقائق سواء خارج المنزل أو في إحدى الغرف الأخرى يشتاق إليها ويشعر بمحبته لها.
وكالعادة ذهب صاحبنا إلى والدته ومن يثق به من أقاربه وأصدقائه حيث أفتوه بأنه مسحور وهذه بالفعل من الوهلة الأولى من علامات السحر، ونفس الفتوى تلقتها الزوجة من أقاربها ومعارفها ذهبوا لكل من يدعي تعامله مع مثل تلك الحالات ولكن دون نتيجة وبعد أن يئسوا أشار عليهم أحد أصدقائه أن يذهبوا إلى طبيبٍ نفسي لعلهم يجدون لديه إجابة شافية. تردد الرجل في البداية خشية أن يقال عنه مجنون لاعتقاده أن من يذهب إلى الطبيب النفسي لابد أن يكون مجنوناً أو به عاهة نفسية مستعصية، وهذا الاعتقاد موجود لدى معظم أفراد المجتمع الذي يعيش فيه.
المهم أن الرجل لم يصبر وقال في نفسه آخر العلاج الكي والذهاب إلى الطبيب النفسي هو الكي في نظره، وبالفعل ذهب إليه وحين شرح له حالته طلب منه الطبيب أن يعطيه تفصيلاً لحياته منذ البداية وأن يحدد له بالضبط متى بدأ يشعر بالنفور من زوجته. فأخبره الزوج: أنهم سافروا إلى إحدى البلدان الأوروبية وحين وصلوا الفندق أتاهم موظف الاستقبال وأخذ منهم الحقائب ومنها حقيبة صغيرة بها النقود وتذاكر وجوازات السفر وأنه حين تأخر عليهم نزل إلى الاستقبال الرئيسي وسأل عن ذلك الموظف فأخبروه: بأنه لا يوجد لديهم أحد بتلك الأوصاف. فعلم الرجل أنه قد وقع ضحية لعملية سرقة في وضح النهار.
وبالطبع كان الرجل يتردد بين الغرفة والاستقبال ويحدث زوجته ويخبرها بما يجري، ويسب ويشتم، والحالة النفسية كانت سيئة جداً، وأكثر ما كان يراه في تلك الأثناء هو وجه الزوجة الذي التصق بتلك الحالة البائسة بالنسبة له وحين عاد إلى بلده أصبح كلما رأى وجه زوجته يحس بالضيق والضجر بنفس الدرجة التي كان يشعر بها أثناء الموقف دون أن يدرك حقيقة الأمر فأصبح الوجه يذكره بتلك الأحاسيس السيئة، حتى صار ينفر من المسكينة دون أن يدرك أيٌ منهما حقيقة الأمر.
عرف الطبيب المشكلة وأنها بسيطة جداً وليست معقدة كما كان يظن جميع من سمع بها وليس هناك سحر ولا عمل للتفريق والأمر لا يتعدى ارتباط وجه الزوجة بذلك الموقف التعيس بالنسبة له ولم يكن الأمر يحتاج من الطبيب سوى جلسة واحدة ليزيل ذلك الارتباط وتعود الأمور أفضل مما كانت عليه. وهنا أشد على يد كل واحد لديه مشكلة أو معاناة أن يذهب إلى المختص لمساعدته، ولا بأس أن يستشير بعض معارفه أو من يثق به ولكن لا يعمل برأيهم مطلقاً ولكن يستشيرهم من باب الاستئناس بآرائهم فقط؛ فهم ليسوا متخصصين وليس بالضرورة أن تكون حلول مشكلاتهم مناسبة لك أنت أيضاً.