شذوذ جنسي يناقش بهدوء

شذوذ جنسي يناقش بهدوء د. فهد الغفيلي

تناقش مجمعات الكنائس النصرانية بين الفترة والأخرى موضوعات يخجل المرء من الحديث عنها فما بالك حين يناقشها أمام الملأ، ومن تلك الأمور التي ناقشتها الكنيسة موضوعٌ كان في غاية الأهمية بالنسبة لجميع المنتمين إليها، يتعلق بإمكانية إقرار زواج الشواذ من عدمه.. وبالطبع فالموضوع نوقش على مستوى رفيع جداً، ومؤيدوه ومعارضوه كثيرون..

ولست هنا بصدد الحديث حول ما تم التوصل إليه، ولكني أرغب منكم التركيز على أمرين لفتا نظري في هذه القضية.

الأمر الأول: يتعلق بطرح مثل هذا الموضوع للنقاش، وتفاخر بعض الفرق هناك بأنها أول من سمح بزواج الشواذ، وتفاخر أخرى بأنها أول من سمح بتعيين شاذٍ جنسي راهباً في إحدى كنائسها..

وهم حين يفاخرون ويناقشون؛ فهم يعتبرون ذلك من حقوقهم ولا يسمحون لأي أحدٍ بالتدخل فيه أو بانتقادهم عليه، ومع أن ما يقومون به لا يحتاج إلى نقاشٍ أصلاً؛ فهو أمر مرفوض بالفطرة، ولا تفعله البهائم، فما بالك بالنفس البشرية التي لا يمكن أن تستسيغه أو تقبله إن كانت سوية، بل وحتى أولئك المبتلون الظالمون أنفسهم لا يمكن أن يجاهروا بما يقومون به أو يعلنوا أمام الملأ أنهم يمارسون تلك الأفعال إلا من سُلخ الحياء منه تماماً، فكيف بمناقشة هذا الأمر والإصرار على إقراره، ليس من قبل أشخاص عاديين؛ بل من قبل قيادات دينية تُوهم أتباعها بأنها على حق، ولكنها تقودهم إلى الضلال، وهذا ما نقرؤه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: من الآية34).

لكن تخيلوا معي لو أن تلك النقاشات تدور في رحى إحدى الفرق الإسلامية..! فماذا سيقول الإعلام الغربي عن ذلك؟ سوف يستنكر ويشجب ويصم الإسلام ونبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأهله بالشذوذ، كما يفعلون الآن عند حدوث أعمال إرهابية، ثم إنهم لن يكتفوا بالشجب والاستنكار والطعن والتشويه، بل سوف يطالبون بعمل إصلاحات جذرية للدين الإسلامي كما يحصل في مطالبتهم بتحرير المرأة ومنحها كافة حقوقها، بل وتشجيع بعض الساذجات حين يطالبن  بإعطاء الحق للمرأة في إمامة الصلاة، ولن يستكينوا حتى يحققوا ما يريدون، ولكنهم سوف ينادوننا ويطالبون ويطبلون وسيستمرون في الصراخ والنعيق دون نتيجة، وليس هذا تخميناً أو فرضية أتوقعها؛ بل هذا أمر الله الذي قضى به ولا مبدل لكلمات الله الذي يقول عز من قائل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ*هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:32ـ33).

الأمر الثاني: وهو ما يتعلق بسلوكيات أولئك القوم وهدوئهم في مناقشة مثل تلك الأمور الشاذة دون أي انفعالات أو صراخ، رغم أنهم على باطل، فالمؤيدون والمعارضون يجتمعون وفق أسس وضوابط معلومة دون أن يسيء أيٌ منهم إلى الآخر، ويناقشون المسائل بتروٍ وهدوء، ويخرجون بنتائج وتوصيات يحاولون من خلالها إرضاء جميع الأطراف، مع وجود الكثير من المرونة التي تسمح باحتواء الطرف الآخر وعدم انشقاقه.

وإذا نظرنا إلى طريقتنا في النقاش نجد ـ في الغالب ـ أن أبواب الحوار أشبه ما تكون بالمغلقة؛ لأن معظمنا يرفض الرأي الآخر ولا يقبله؛ كما أننا في الغالب نحلل الشخص ونبحث عن مثالبه وعيوبه لنقدحه ونغض الطرف عن جميع حسناته وإيجابياته ونحصره في ذلك الجانب المظلم الذي طابت لنا رؤيته من خلاله، مع أنه لا يشكل ولو 5% من حقيقة شخصيته، ولو أننا بحثنا عن إيجابياته، وأكبرناها وأشعرناه أننا نقدرها له لكان من الممكن أن نتمكن من حل كثيرٍ من قضايانا المعلقة التي لم تجد من يسهم في حلها، كما أن تقديرنا للآخر ربما يسهم في تنازله عن كثيرٍ من آرائه من جهة، وسيؤدي إلى إبعاد التشنج الذي يتسبب في سوء فهمنا له؛ بسبب عدم وضوح الصورة كاملة أمامنا.

ومن هنا فإني أقول ـ ومن باب أن الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها ـ إنه يتوجب علينا مثلما انتفعنا بما لدى الغرب من ثقافة وصناعة وتقدم أن نستفيد من أهم ما لديهم وهو طريقتهم في مناقشة أمورهم وسعيهم الحثيث من أجل التوصل إلى حلول وسط ترضي جميع الأطراف، وعدم ترك الأمور معلقة؛ لأن التسوية والخروج بحلول مرضية والتنازل عن بعض الأمور الفرعية التي لا تخل بمعتقداتنا هي الوسيلة الوحيدة التي ستوصلنا إلى ما نصبو إليه من رقي وتقدم؛ فاتفاق العلماء بعضهم مع بعض من جهة والمثقفين والأدباء من جهة أخرى هو الأرضية التي يمكن أن تبذر بها ما يسعدك أن تحصده في المستقبل، أما التمسك بالاختلاف والتلذذ به فهو لا يقود إلى مصلحة عامة، ولكن إلى دوام التخلف والفرقة والانشقاق التي لا يمكن أن تقود الأمة ومجتمعاتها إلى ما ينشده أبناؤها من رقي وتقدم.

 

الإعلان