دراسة لنيل درجة الدكتوراه في التغير الاجتماعي
للحصول على نسخة من الدراسة تفضل بالضغط هنا
التغير الاجتماعي مظاهر التغير في المجتمع السعودي د. فهد الغفيلي
يبقى موضوع التغير بكافة أشكاله وأزمانه من المواضيع المتجددة، المطلوبة، الحاصلة لا محالة شئنا أم أبينا، فلن يبقى شيءٌ على حاله مهما كان كنهه، فالتغير سيطاله أما بوصفه تغييراً ينم عن وجود إرادة أحدثته فينسب إليها الفعل، وإما تغيراً وقع دون إرادة من وقع عليه فعل التغير.
قام الباحث بتقسيم هذه الدراسة إلى ستة مباحث كل واحدٍ منها خصصه لتناول محورٍ من محاور الدراسة: فالمبحث الأول منها خصص للإطار العام للدراسة. والمبحثان الثاني والثالث كتمهيد لفهم موضوع الدراسة. والمبحثان الرابع والخامس، فكانا للحديث عن مشكلة الدراسة بالتفصيل مع الاستشهاد ببعض الأحداث التي تعين على فهم ما عناه الباحث. أما المبحث السادس فهو متعلق ببعض الحلول التي طرحها الباحث بغرض الإسهام في حل ما وصفه بالمشكلات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع السعودي نتيجة التغيرات المادية والثقافية، كما يتضمن هذا المبحث أيضاً التوصيات والخلاصة.
بدأ الباحث هذه الدراسة بوضع الإطار العام للدراسة فتحدث في مقدمتها حول عرض مختصر لهذه الدراسة، ثم تعريف موجز بها، تلا ذلك حديثه حول أهمية الدراسة، ثم أهدافها، ثم طرح عدة تساؤلات رأى الباحث أنها تهم الدراسة، ثم بين الباحث منهج الدراسة، كما استعرض بشكلٍ موجز عدداً من الدراسات السابقة، وختم هذا المبحث بتعداده للإضافات العلمية لهذه الدراسة.
ثم تحدث في المبحث الثاني عن التغير وذكر بأنه أشكالٌ عديدة ليس حصرها موضوعاً لهذه الدراسة، ولكن ما أهم الباحث في هذا المقام الحديث عن التغير بشكلٍ عام، حيث قام بتقسيمه إلى خمسة أقسام، واستحدث لهذا التقسيم مصطلحاً جديداً في علم الاجتماع أطلق عليه (التغير الكوني) وهو ما يظنه الباحث أوسع درجات تصنيف التغير وقد أسهب في بيانه في مدخل الدراسة.
وفي المبحث الثالث تطرق الباحث إلى التغير الاجتماعي مبيناً بعضاً من تعريفاته بالإضافة إلى ذلك فقد كتب الباحث تعريفاً خاصاً به يتوافق مع فهمه للتغير الاجتماعي، كما قام بوضع تصنيفاً خاص بالمجتمعات البشرية من حيث المستوى المعيشي؛ يعين على فهم التغير، ويمكّن من تحديد النوع الذي ينتمي إليه بعد أن حدد له أشكالاً سبعة لكل واحدٍ منها مفهومه ومعاييره الخاصة التي يمكن إسقاطها على حالة مجتمعية بعينها ومعرفة حقيقة ما يجري من تغير مجتمعي هناك وهل هو إيجابي أم سلبي؟ فإن كان إيجابي فما هو تصنيفه؟ هل هو تقدم؟ أم نمو؟ أم تحديث؟ وإن كان سلبي فنفس الحال يمكن تحديد نوعه هل هو تغير قهقري؟ أم تغير نكوصي؟ وهكذا. ويرى الباحث أنه من خلال تصنيفه هذا يمكن تحديد الجوانب التي أعانت على التغير ودعمها، ومعرفة الخلل ومعالجته. بالإضافة إلى قيام الباحث بوضع مجموعة من العناصر أو الأركان لعملية التغير، لا يمكن أن يتم بدونها وهذا يكمل سابقه ويمكن من تحديد العنصر الإيجابي أو السلبي في (الحدث)، بعكس ما ذكره حول أشكال أو أنواع التغير التي يمكن من خلالها البحث في (النتيجة) وتحديد الجوانب الإيجابية والسلبية. ثم ختم حديثه في هذا المبحث بنظرية وضعها حول التغير الاجتماعي وسمها بـ(نظرية المحيط الاجتماعي) أو (نظرية الدوائر الأربع للتغير الاجتماعي) بيّن الباحث من خلالها أن التغير يحدث بفعل أربع دوائر مؤثرة تبدأ بذات الفرد وتنتهي بالمجتمعات الغريبة حين تتصل بغيرها من المجتمعات.
ثم انتقل بعد ذلك إلى المبحثين الرابع والخامس وهو صلب موضوع الدراسة وهو المجتمع السعودي، حيث ركز في حديثه على مظاهر التغير في هذا المجتمع وحصرها بمظهرين مادي وآخر ثقافي، أفرد لكلٍ منهما مبحثاً خاصاً به. بدأ بالمظهر المادي وأوضح خلاله كيف بدأت هذه الدولة الفتية من نقطة الصفر؛ حيث لم يوجد أيٌ من مقومات العيش المدني فلا تعليم منتظم، ولا مستشفيات، ولا مراكز أمنية، ولا مؤسسات مالية، ولا مصادر دخل يعتمد عليها. ثم كيف تم الشروع في بناء كل ذلك بشكل متسلسل ومتسارع ومع كل تشييد مادي تجد تغيرات ثقافية تحدث هنا وهناك بعضها يُرفض ويتم وأده في مهده، وآخر يُقاوم في البداية ثم مع الوقت يتقبله المجتمع ويصير جزءاً من معاشهم، وتغير ثقافي ثالث يتغلغل في جسد المجتمع دون ضجيجٍ فيتلقفه الناس ويتشربونه دون شعورٍ منهم أن شيئاً قد أحدث تغيراً في حياتهم، وقد أورد الباحث شواهد وقصص كثيرة حول ذلك، ولكنك ستجد في مواضيع كثيرة أن لا علاقة مباشرة بين كثيرٍ من التغيرات المادية ونظيرتها الثقافية، ولكنك حين تتأمل ستجد أنه لولا التغير المادي الذي حدث ما كان يمكن لتوأمه الثقافي أن يولد، وقصد الباحث التوأمة هنا؛ لأن كلاهما مرتبطٌ بصاحبه، ولا يمكن أن يحدث تغير مادي إلا ويصحبه تغير ثقافي والعكس صحيح، دون النظر إلى حجم التغير والصخب الذي يحدثه.
تطرق الباحث في هذين المبحثين إلى تغيرات مادية كثيرة حدثت كان أهمها على الإطلاق اكتشاف النفط الذي نقل البلد من مصاف البلدان الأفقر على وجه البسيطة إلى أحد أغنى البلدان ـ بفضل الله ـ كما تحدث عن توطين البادية في هجرٍ خاصة بكل قبيلة بدلاً من عمليات الحل والترحالة، والتي رآها الباحث من أهم التغيرات المادية التي كان لها أثرٌ ثقافي عظيم حيث صرفت ولاء ابن البادية من الولاء الذاتي المفرط في الأنانية حين كان لا يهمه غير نفسه وقبيلته وماشيته وخيمته، إلى ولاءٍ جديدٍ عليه لم تعرفه ثقافته؛ ولاء للأرض والهجرة التي يقطنها، محبة في المكان والدفاع عنه، خضوع لنظام يعطيه حقوقه مقابل واجبات يؤديها، وأشياء كثيرة أخرى في هذا المبحث.
في المبحث الخامس المتعلق بالمظاهر الثقافية حاول الباحث أن يحدد جوانب ثقافية يتحدث عنها؛ بغرض عدم التشتت المربك أو الإطالة المملة؛ وبناء عليه فقد قام في البداية بوضع أربعة جوانب تمثل المظهر الثقافي هي: (اللغة، الفكر والأدب، الميادين الثقافية، الطيف الفكري) وبيّـن لماذا اختار هذه الجوانب تحديداً كعناوين رئيسية في هذا المبحث؛ حيث يرى الباحث أن اللغة هي الهوية وأداة نقل الثقافة بالحرف أو اللسان. والفكر والأدب: من أشكال الصياغة، والإنتاج، والفهم الثقافي. أما الميادين الثقافية: فهي أداة النشر والإشهار. أما الطيف الفكري: فهو متعلق بالفكر المنتج أو المتلقي لتلك الثقافة والمحدد لموقفه منها.
وقد قام الباحث بدمج الطيف الفكري ضمن نظريته التي وسمها بـ(نظرية اختلاط الجسد والثقافة) أو (نظرية الميمات الأربع) وقصد من ذلك أن يبين موقف المتلقي في المجتمع السعودي بحسب طيفه الفكري الذي قسمه إلى ستة أقسام مع منطقة وسطية سمّها منطقة التلاقي أو (منطقة الخضوع والقبول) بعد أن بين مقصوده في تلك الأطياف الفكرية وجعلها أحد أركان النظرية الأربعة، ثم استرسل في بيان بقية الأركان. وكان هدف الباحث من وضع هذه النظرية إيجاد حل لعددٍ من المشاكل التي تواجه المجتمع السعودي من خلال نظرية لها أركان ومعايير واضحة يمكن إسقاط أي
مشكلة مجتمعية متعلقة بمفهوم (الاختلاط الجسدي والثقافي) وهو قريب من مفهوم الاختلاط المتداول في المجتمع السعودي، إلا أنه أشمل وأكثر تشعباً منه وفي نفس الوقت فهذه النظرية تعد الاختلاط بمفهومه الدارج في مجتمعنا كغيره من المشكلات الاجتماعية يمكن إسقاطها وتقييمها من خلال معايير النظرية والخلوص إلى حل ٍ يتوافق مع الشريعة الإسلامية كمرجعية ومعيار رئيس يرضي كافة الأطياف الفكرية ويجلبها جميعاً إلى (منطقة الخضوع والقبول) أو منطقة التلاقي.
فهد عبدالعزيز الغفيلي