احتياجات فطرية

تحتاج النفس البشرية بطبيعتها إلى أشياء كثيرة لا تحصى. وهذه الاحتياجات قد تكون مكملة لبعضها، وربما تكون متناقضة. فعلى سبيل المثال؛ حاجة النفس إلى العمل والإنجاز ومن ثم الحاجة إلى التميز وفد يتبعها رغبة في تلقي التقدير والثناء. وقد يجد الإنسان في نفسه رغبة ملحة في جمع المال وربما قابلها رغبة أشد إلحاحاً في إنفاقه، بغض النظر عن طريقة الإنفاق. ومن غريب هذه الاحتياجات الرغبة الجامحة في السيطرة والإدارة وتوجيه الأوامر والنواهي. وقد يقابلها حاجة ورغبة ملحة في الانصياع والخضوع وتلقي الأوامر والنواهي من طرف آخر. يقول أحدهم: توليت إدارة إحدى الجهات وكان يعمل تحت إمرتي عشرات الأشخاص، استمتع بأمرهم ونهيهم، وأطرب لردود أفعالهم اللفظية والفعلية على تلك الأوامر. وهذا الاستئساد في بيئة العمل ما كان ينغص عليه سوى زوجتي التي كانت تأمرني وتنهاني بلا كلل أو ملل، بل إن هذه الأوامر كانت تلاحقني في كل مكان وزمان، ورغم تذمري منها ومصارحتي لها بذلك مراراً وتكراراً إلا أن احتجاجاتي ما كانت لتردعها. وقدر الله أن تصاب زوجتي بمرض عضال أقعدها الفراش لفترة طويلة في غيبوبة شبه كاملة ودون حراك. ورغم أن حالتها كانت تؤلمني كثيراً، إلا أن الفراغ الذي تركته في حياتي كان أكثر إيلاماً. فقد أحسست حينها بحاجة ماسة لمن يأمرني وينهاني ولكن لا أحد يمكنه ذلك، ولا حتى نفسي ستنصاع لأحد. هذا الشعور القاتل والحاجة الغريبة الملحة ما كان ينجيني منها إلا شفاء زوجتي بعد مدة وتعافيها وعودتها لسابق عهدها. لم أعد أتذمر كما كنت بل صرت أتلذذ بتلبية طلباتها بعد أن اكتشفت أنها وحدها من يملك الترياق لإشباع حاجة فطرية اكتشفتها صدفة.

د. فهد الغفيلي