إنما أوتيته على علمٍ عندي

عبارة ”إنما أوتيته على علمٍ عندي“ تشير إلى الكبر والجحود. أورد الله هذه العبارة حين أخبرنا عن قصة قارون مع قومه. فحين كان قومه يعظونه بقولهم: ”وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ“ (القصص، 77). كان قارون يردد: ”إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي“. الشاهد هنا، أن كثير من الناس يظن بأن قصة قارون، المليئة بالدروس والعبر، يمكن قصرها على معالجة حالات أشخاص أطغاهم ثراؤهم المالي؛ فتكبروا وما أعطوا ما عليهم من حقوق. ولكن تفحص الواقع يظهر تكرر الحالة القارونية في كل المجالات وليس في مجال المال فحسب. تسليط الضوء على فئة أوتيت حظاً عظيماً من الثراء في مجالها وتحاكي قارون شعوراً وقولاً وفعلاً، وتعلم قصته وتذمه على فعله، ولا تلفت لحالها، قد يكون شاهداً مناسباً. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بعض من يحسبون على طلبة العلم والدعاة أوتي علماً وشهرة ويتابعه ملايين الناس في كل مكان، وحين يطلب منه قول كلمة حق يذب من خلالها عن بلاده أو يبرز مناقبها، يتمنع تكبراً، وإن ذكر برد الجميل، أتى بعشرات الأعذار ولسان حاله يصيح ”إنما أوتيته على علمٍ عندي“ جاحداً ومتناسياً أنه لولا أفضال هذا البلد الذي علمه ورعاه ومكّن له ما كان ليصل إلى حاله من الثراء المعرفي والجماهيري وحتى المالي. وحين يعاملون بما يستحقون، لا ينفعهم علمهم، فيتلاشون وينساهم الناس، ثم يكتشفون، ولكن بعد فوات الأوان، أنه لولا التمكين لهم ما أفادهم ما عندهم من علم. مزيد من التأمل يبين أن قارون يتكرر عبر الأزمنة والأماكن والمجالات، على مستوى الأفراد وحتى على مستوى الجماعات التي ربما يمكّن لها فتشعر بالاستغناء والعلو ثم تتآمر وتسعى لتعض اليد التي مكنت لها، ثم لا تدرك زيف دعواها وافتضاح أجندتها إلا بعد أن يخسف بها.