صغار الأشياء تكبر بسرعة تفوق الوصف

صغارمع تسارع عجلة الزمن تعاقب الليل والنهار بشكلٍ مطرد أصبحنا لا نشعر بأنفسنا ولا بالآخرين من حولنا؛ فالطفل يولد اليوم ويقول لك “والده أو والدته” في الغد إنهم أدخلوه المدرسة.. وأنت تقف أمام المرآة بشكل يومي ولا تلاحظ أي تغير، ولكن حين تدقق تجد أن هناك الكثير من أفاعيل الزمن قد بدت على وجهك وشعرك، وإن حاولنا إخفاءها، إلا أنها سرعان ما تكبر وتصير على هيئة لا يمكن تغييبها عن الآخرين.. ولكن كل هذا ليس مهماً وما كنت لأتطرق إليه، فأنا من أكثر الناس عدم اكتراث بذلك؛ بل وأعزي نفسي بأن الواحد منا كلما كبر زاد علمه ونضجه ووقاره، بالطبع ليس كلنا كذلك، ولكن هذا المفترض وهذا ما أتمناه لنفسي ولكل موحّـد، وخاصة أنت يا من أفنيت دقائق من وقتك في قراءة هذه السطور.

كما ذكرت، لم أكن لأتطرق لما ذكرت وما دعاني إلى هذا الحديث سوى رسالة وصلتني على بريدي الإلكتروني أعجبتني، وبعد أن قرأتها سألت زوجتي “أم عبدالعزيز” ما رأيك؟ أحد الأشخاص طلب أن يشتري سيارتي وسيدفع لي ريالاً واحداً في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني يضاعف المبلغ ليصبح ريالين، وفي اليوم الثالث يتضاعف المبلغ ليصير أربعة ريالات، وهكذا مدة شهر!! فسألتها: لو كنت مكاني فهل ستوافقين؟ فأجابت على الفور وبدون تردد: بالطبع لا… حتى لو قال شهرين!!

ولكن ماذا عنك أنت..؟ هل ستوافق..؟ أجب خلال خمس ثوانٍ… ولا تفكر هل سيارتك أو سيارتكم “كسرة” لا تساوي بضعة آلاف أو من الصنف الألماني الذي تلامس قيمته المليون وربما تزيد.

هل انتهيت من التفكير..؟ ماذا قررت..؟ هل حسبت المبلغ..؟ طيب تعال نحسبه بسرعة حتى اليوم الخامس ستسترد 31 ريالاً من قيمة السيارة!! المسألة ما هي مستاهلة وحتى اليوم العاشر أي ثلث المدة ستكون حصلت على مبلغ 1023 ريال ستقول سيارة قيمتها خمسون ألف أو نصف مليون وأنت تتكلم عن ألف ريال؟! أقول لك لا تستعجل في اليوم السادس عشر سيكون عندك مبلغ 65536 ريال الشغلة مغرية جداً بالنسبة “للي” قيمة سيارته بحدود الخمسين ألف.. لكن غير مقنعة حتى الآن لأبو نصف مليون.. لكن في اليوم الحادي والعشرين أكيد سيقتنع وزيادة حين يصبح المبلغ 2097152 نكتبه يمكن أبو نصف مليون يقدر يقراه لكن أبو خمسين بالتأكيد يصعب عليه قراءة المبلغ (مليونين وسبعة وتسعين ألف ومئة واثنين وخمسين ريال) خلاص الآن كلٌ يقول يكفي ما نريد زيادة.. ولكن من باب العلم بالشيء بعد شهر كامل من هذا العطاء السخي جداً الذي بدا ظاهره حقير جداً وبالكاد يشتري “خبزة تميس” ناشفة في اليوم الأول ولكنه ينتهي إلى مبلغ (520486912) خمسمائة وعشرين مليون وأربعمائة وستة وثمانين ألف وتسعمائة واثني عشر ريالاً فقط لا غير. وبالطبع فالحساب لم ينته بعد، وربما يقول أحدكم اتفقنا على شهر وأكملناه ثلاثين يوماً، وحتى لو كان الشهر الهجري غير كامل، ما عندنا مانع يصير تسعة وعشرين يوماً، فقط نقول الاتفاق على ثلاثين يوما كاملة، والمبلغ الأخير كان خاصا باليوم الأخير، ولكن لا تنس حساب بقية المبالغ التي استلمتها طوال التسعة والعشرين يوماً الماضية، ولو جمعتها سيكون المبلغ (1040973824) أي مليار وأربعين مليون وتسعمائة وثلاث وسبعين ألف وثمانمائة وأربعة وعشرين ريالاً فقط ليس أكثر.

انظر وتأمل كيف تحول الريال الذي استحقرناه في البداية إلى شيء خيالي خلال شهر واحد فقط، كيف لو كانت سنة (أكيد تنفرط مكرات الدماغ من التفكير في المبلغ وليس حسبته) ولكن كيف لو قلت لك إن مثل هذه العروض تقدم لنا بصفة مستمرة منا من يقبلها ومنا من يرفضها، وحتى الشخص الذي يقبل العرض يساهم فيه وينتهي الأمر بالنسبة له ولا يتابع ما آل إليه..

ولكن لو أخذنا مثالا بسيطا جداً على مشروع لطباعة نسخ من القرآن الكريم وساهم الواحد منا بما تجود به نفسه وانتفع بتلك النسخ مجموعة أشخاص قرؤوا القرآن كاملاً من خلال تلك النسخ ثم علموا أبناءهم.. وهكذا والحرف يجازى عليه بحسنة والحسنة بعشر أمثالها.. لو نحسب من الآن مدة شهر ما يمكن نحسبها صح لأننا حتى لو أحضرنا أنجح المحاسبين وأكثرهم حرفية يمكن تكون حساباتهم كلها غير صحيحة؛ لأنهم حسبوها على أن الحرف بعشر حسنات ولكن قد يضاعف الله أجر المساهمين من واسع فضله وعطائه فيجازي على الحرف سبعمائة أو أكثر، لا أحد يعلم ذلك غير المولى عز وجل..

خلاصة القول: لا تتردد في المساهمة بأي عمل خيري ولا تحقرن من المعروف شيئاً، فقد تأتي يوم القيامة وقد أثقلت موازينك لدرجة تبهرك وتقودك للسؤال عن كل تلك العطايا فيقال لك: أتذكر صدقتك في اليوم الفلاني، أو ذاك إسهامك في مشروع كذا وغيرها الكثير فتقف منتشياً لا تدري أتفرح بما فعلت أم بما حصلت عليه!!

ومن هنا أشد على يدك أن تبدأ البحث من الآن عما يجلب المنفعة والسرور لك، وفي نفس الوقت لا يثقل كاهلك ولا تنتظر من يطرق بابك ليدلك عليه.

فهد عبدالعزيز الغفيلي

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s